الوجه الكئيب لغياب محاسبة المياه في حوض نهر الأردن السفلي
زيد الشوابكة
دكتوراه محاسبة المياه
كلية المحاسبة والمالية والإقتصاد
جامعة وايكاتو / نيوزيلندا
إن الوضع المائي العام في الأردن صعب للغاية وغير مستدام. يواجه الأردن طلبًا متزايدًا على المياه يتجاوز العرض المستدام. وتعتمد الدولة بشكل كبير على موارد المياه العذبة خارج حدودها من خلال تقاسم نهري الأردن واليرموك و المياه الجوفية مع الدول المجاورة. على سبيل المثال، أدى تقاسم موارد المياه العذبة مع إسرائيل وسورية إلى عدم الاستقرار في الماضي. علاوة على ذلك، شهد الأردن موجات كبيرة من اللاجئين، وهو وضع يزيد من كفاح الأردن لتلبية احتياجاته من المياه المنزلية.
لا تقتصر أسباب التلوث على الأسباب المادية مثل مياه الصرف الصحي المعالجة جزئيًا بل تتعداها إلى غياب الإرادة السياسية لإجراء التغييرات وإلى عدم تطبيق القانون بسبب المحسوبية واللامبالاة، المتجسدتين في ثقافة الدولة الأردنية. الحلول ممكنة، ولكن فقط إذا كانت النية الحقيقية هي إحداث تغيير حقيقي. بالإضافة إلى ذلك، هنالك حاجة إلى البرامج التشاركية التي لا تحاول تهميش الدور الفعَال للمجتمعات المحلية لإحداث الفرق. لذلك، فإن الهيئات العامة ومنظمات المجتمع المدني والجهات المعنية بيئيًا مسؤولة جميعًا عن إيجاد بيئة عمل متكاملة ليس فقط لوقف التدهور، ولكن أيضًا لتحسين وضع نهري الأردن والزرقاء، حتى لو لم يكن بالإمكان إعادة النهرين إلى سابق عهدهما.
نظرًا لارتفاع طلب الزراعة على المياه، فضلاً عن النمو في عدد السكان الذين يحتاجون إلى الغذاء ويولدون مياه الصرف الصحي، فإن إعادة استخدام المياه للري لا بد أن تزداد. تحتاج الجهات الحكومية إلى السيطرة على الوضع من أجل وضع تدابير إدارة المياه بشكل تدريجي ومستمر لحماية صحة الإنسان والأنشطة الاقتصادية والبيئة. تحتاج الحكومة أيضا إلى الإعتراف بأن حجم المياه العادمة المعالجة المستخدمة في الري سيظل أحد أكثر الطرق استدامة لتوفير المياه في الأردن وفي جميع أنحاء العالم.
يجب التعامل مع إدارة المياه بطريقة جديدة، من أجل تضمين الاحتياجات الزراعية والمجتمعية والاقتصادية والمؤسسية، وأهمية مساعدة الطبيعة على إغلاق الدورات البيئية، والأهم من ذلك كله، أن تضمين فكرة تحسين نوعية الحياة لا يعني بالضرورة نفس الشيء في مجالات مختلفة. يقترح هذا النهج المتكامل تعديل بعض مفاهيم الصرف الصحي الأكثر تقليدية من أجل تحقيق توازن بين المخاطر البيئية طويلة وقصيرة المدى واحتياجات المجتمعات الملحة. في الأردن، قد يعني التوقف عن استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في الري إلى زيادة تلوث المياه السطحية وإلى إزالة الاقتصادات الصغيرة المزدهرة القائمة على زيادة المحاصيل المروية بمياه الصرف الصحي المعالجة، وفي هذه الحالة، التأثير سلبًا على سبل عيش ورفاهية مستخدمي المياه في غور الأردن. وبالتالي، بدلاً من تعزيز السياسات غير العملية، سيكون من الأفضل تعلم الدروس من إعادة الاستخدام غير المخطط للمياه في الزراعة ومحاولة تحسين الممارسات الحالية تدريجياً لتقليل المخاطر.
محاسبة المياه هي أداة ضرورية لتحقيق إدارة فعَالة لموارد المياه. كما أنها تعزز مستوى الإفصاح عن البيانات المائية على المستوى المؤسسي والاجتماعي والبيئي. علاوة على ذلك ، قد توفر محاسبة المياه معلومات حول القرارات المتعلقة بطرق تحسين صحة الإنسان وظروف السياحة والتي يمكن اتخاذها. تحتاج استجابات السياسات أيضًا إلى تضمين تدابير للحد من خسائر المياه في قطاعات مثل الزراعة والصناعة وإيجاد مستوى عالٍ من المساءلة من خلال تحسين مستوى إنفاذ القوانين في بلد يعاني من ندرة المياه نتيجة لتغير المناخ والتلوث الصناعي وسوء إدارة قطاع المياه بسبب المحسوبية وعدم انفاذ القوانين دون تحيز. يدعم الماء سبل عيش المجتمعات ويحافظ على النظم البيئية. لذلك، تعتبر المياه سلعة عامة وتتطلب مصلحة عامة، وبالتالي، المساءلة العامة عن استخدامها وإدارتها وحمايتها كما أكد على ذلك سجنوري وبودينو (2013). باتباع هذا النهج من التفكير، ينبغي لفت الانتباه إلى ضرورة أن تكون المساءلة "عامة" أو على الأقل مشتركة بين أصحاب المصلحة المتنوعين (الحكومة على المستويين الوطني والعالمي، وصناعات المياه، والمجتمعات، وعلماء البيئة، والمنظمات غير الحكومية.
من الضروري إسماع صوت أصحاب المصلحة وتشجيع الحكومة على اتخاذ إجراءات ضد الملوثين. بالإضافة إلى ذلك، من الملح إلقاء الضوء على قضية ندرة المياه في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي عانت من مشكلات مماثلة لتلك التي يواجهها الأردن. إن المحددات المؤسسية في الأردن والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، عند مقارنتها بتلك الموجودة في الدول الغربية، تدور حول قضايا أكثر من إدارة المياه، بسبب الحقوق والعلاقات القائمة التي تحكم الناس مع الدولة. إنه وضع مختلف تمامًا. إنها أيضًا أكثر من مجرد مشكلة فنية. ترتبط ندرة المياه العذبة أيضًا بالإرادة السياسية. لذلك، يتعين على كبار الموظفين في الدولة المساهمة في حل المشكلة ومحاولة إيجاد نية حقيقية لتطبيق القانون دون محاباة.
يوصى ببعض الممارسات، التي تقع ضمن مسؤولية الحكومة، من أجل معالجة العواقب البيئية للتلوث في حوض نهر الأردن السفلي. إن مياه الصرف الصحي ومياه الصرف الصناعي التي يتم تصريفها في نهر الزرقاء والتي تصل في نهاية الأمر إلى غور الأردن لا تتم معالجتها بشكل كافٍ، مما يساهم في الآثار السلبية على المجتمع الزراعي وقطاع السياحة والصحة الجسدية والجوانب العاطفية والجوانب الروحية للمجتمعات، والمحددات المؤسسية. ومن ثم، يوصى بالتطبيق المتسق للوائح من قبل الجهات الحكومية دون تحيز. تقترح مارا (2013) أنه، حيثما أمكن، هنالك حاجة إلى المعالجة المناسبة لمياه الصرف الصحي المستخدمة في الزراعة لتقليل الملوثات. تتطلب هذه المعالجة المناسبة من الحكومة تطبيق القانون واللوائح والسياسات بشكل غير انتقائي من أجل تعزيز المساءلة وإدارة المياه.
الأردن لديه محاسبة مياه بدائية. لذلك، يحتاج الأردن إلى تصميم أو اعتماد برامج محاسبة شاملة للمياه كتلك المطبقة في استراليا وولاية كالفورنيا من أجل تحقيق إدارة فعَالة لموارد المياه. إسكرايفا بو وأخرون (2016) يوضح أن محاسبة المياه مهمة لإدارة المياه على جميع المستويات في البلدان التي تعاني من ندرة المياه. يوصى أيضًا بتعيين خبراء في برامج محاسبة المياه وآخرون من تخصصات عديدة وذات صلة بالمياه من أجل إنشاء نظام محاسبة مياه متقدم مبني على تطبيق معايير المحاسبة المالية الدولية على المياه في الأردن.